هجرت التشكيل وأنا مطمئن الآن في الزخرفة
ترك الفنان
رشيد بريوة اللوحة التشكيلية وفضل الإبحار في فن المنمنمات متخطيا شطآن الألوان
إلى أقاليم الصورة التي تحاكي التاريخ من خلال الجداريات المؤرخة للثورة التحريرية
تاركا لمسته في ديكور المركبات السياحية والفنادق الكبرى بالوطن.
زرناه ببيته
في قرية بودوخة (عين قشرة ولاية سكيكدة) فكانت هذه الدردشة معه.
هل يمكن أن تعطينا بورتريه عن رشيد بريوة الفنان
والإنسان؟
- بدأت حياتي
الفنية كرسام تشكيلي، فأنا إبن البادية التي صقلت موهبتي طبيعتها العذراء، فعشقت
الآلوان وكانت الريشة رفيقى في رحلاتى إلى الغابة والجبل والبحر، حلمت بلوحات
ميتافيزيقية فوجدت التجريد والواقعية، فاستلهمت الجمال الذي أحسه في داخلي يسيل
كالشلال فأعبر عنه بالصورة.
ولكن لكل فنان بداية، كيف بدأت حياتك وهل هناك من وجهك
لمدرسة الفن؟
- سنة 66
أنخرطت بمركز التكوين على الخزف الفني كتلميذ وهي البداية التي قادتني إلى تخصص لم
يكن يخطر على بالي رغم معرفتي بأصول الفن وتعمقت تجربتي أكثر عندما ألتحقت بمدرسة
التكوين في العاصمة وبعدها مدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة ليستقر بي المقام في فرع
الخزف لإبن زياد وهي آخر محطة في مراحل التكوين لأجد نفسي مهتما بأشياء فنية أخرى
لم أكتشفها من قبل.
كيف وقع هذا التحول من الفنون التشكيلية إلى الزخرفة على
الخزف؟
- كما سبق
وأن قلت أنا بدأت كرسام للوحات الزيتية، لأن ميولي للرسم بدأ مبكرا قبل تخصصي في
الخزف الفني، فكنت أشارك في المعارض الجماعية بقسنطينة وفي ولايات اخرى وفي نفس
الوقت أشرف على تنظيم معارض خاصة للتعريف بالحركة التشكيلية في مدينة قسنطينة التي
كان يمثلها الفرع الجهوي لإتحاد الفنانين التشكيليين الذي كنت أنا رئيسه، وفي تلك
الفترة كانت النشاطات متنوعة، حيث هناك تنافس بين الفنانين والعمل مع المنظمات
والجمعيات في أوجه من أجل البروز، وقد سمح لنا هذا بالحضور على الساحة الثقافية
بمدينة قسنطينة في الوقت الذي كنت أشتغل فيه بوحدة الخزف الفني لإبن زياد، مما
يعني هذا أني كنت أجمع بين التجربتين (اللوحات الزيتية والزخرفة الفنية)، لأجد
نفسي في الأخير مهتم بفن الزخرفة، فلم أتردد في التخصص مرة أخرى في مجال له قيم
وقواعد وأصول، والحقيقة أنني وجدت نفسي وأحسست براحة وأطمئنان لأن دخول مجال
الزخرفة يفتح الباب على مصراعيه للفنان ويضع أمامه المستقبل.
وهل وجدت صعوبة في التأقلم في
المرحلة الإنتقالية من الرسم إلى الزخرفة هكذا دفعة واحدة؟
- أبدا لم
أجد أي صعوبة، وقد ساعدني التكوين في فرع إبن زياد، حيث في سنة 1998 قررت التخصص
في الزخرفة وذلك بفتح ورشة صغيرة بإمكانياتي الذاتية في مسقط رأسي قرية بودوخة -
عين قشرة- حيث زودت مكتبتي بكتب حول تاريخ الفن وكل ما يتعلق بالتراث الفني، وهكذا
وجدت نفسي أخوض في فن المنمنمات، وما شجعني في التواصل مع هذا إقبال الناس على
أعمالي المتواضعة.
وكيف تشتغل على مادة
الخزف وأنت لاتملك المادة الأولية والتي عادة يكون الحصول عليها بصعوبة؟
- المادة الأولية في المنطقة موجودة وقد جهزت ورشتي الصغيرة بـ(فرن) وبدأت
أشتغل على المادة التاريخية حيث أنجزت جداريات ضخمة عن الثورة التحريرية
وصور للشهداء، وجسدت بالزخرفة الخزفية المعارك البطولية لثورة أول نوفمبر،
والحقيقة أنني وجدت التشجيع الكامل من طرف منظمة المجاهدين والوزارة لأن ما أقوم
به من عمل هو في الصالح العام. ومن جهة أخرى وجدت أعمالي في مجال المنمنمات إقبالا
من طرف المركبات السياحية والفنادق التي تزينت بديكور تقليدي جميل مستوحى من
التراث العريق لفنوننا وثقافتنا: حيث للوحات الفنية مساحات كبيرة في هذه المركبات
التي يؤمها سواح أجانب ومن داخل الوطن، فيمكن لهؤلاء اكتشاف تاريخ الفن الجزائري
بواسطة اللوحة التي تجمع في فضائها كل المراحل التاريخية، ولا أخفي أن ما أقوم به
في هذه المنمنمات هو معزول عن التراث بالعكس فإن رسم منمنمة يأخذ مني وقت كبير
فتصفح كتاب ضروري حتى أعطى صورة وافية عن هذا التراث مثلما نجده في أعمال
الرسام محمد راسم وغيره ممن أختصوا في فن المنمنمات، وهذا الفن يقوم على مدرسة
عريقة وطابع جمالي، ولأن اللوحة تعطي بعد جمالي للمكان نجد الناس ممن يملكون ذوق
فني يفضلون تزيين واجهات بيوتهم بهذه اللوحات وقد انتقلت في السنوات الأخيرة
العدوى من المركبات والفنادق السياحية إلى الشقق والفيلات وهذا يبرز المكانة التي
يحتلها فن المنمنمات في حياة الإنسان.
هل تنجز أعمالك وفق اختياراتك أو حسب الطلب؟
- الإثنين
إذا تعلق الأمر بمشروع فإن العرض يتم عن طريق معاينة المنتوج، ويقترح الزبون
بناءعلى اختياراته الكمية المطلوبة التي يتم إنجازها على دفعات لأن (الفرن) صغير
ولا يسع حجما كبيرا، وفي نفس الوقت أقوم أنا بالعملية أي بتركيب اللوحات في المكان
الذي يختاره الزبون، وهناك الإنتاج الذي أفرض فيه ذوقي واختياري والألوان المناسبة،
وهنا لابد من التأكبد ان التشكيلات يتم رسمها وفق دراسة دقيقة لأصول الفن الإسلامي
والمكعبات التي نراها على الخزف لاتأتي هكذا صدفة أو عيثية وهنا يكمن جوهر العملية
الفنية إذ تواجهنى مرحلة صعبة ومعقدة عند عملية الرسم فأستعين بالبحوث الفنية
لأحدد هوية الرسم (شرقى أو مغاربي أو تركي، أو إسلامي إلى غير ذلك وهذا لايتأتى
بطبيعة هكذا صدفة.
حاوره: عبد الرحيم مرزوق
لجريدة النصر، عدد يوم: الأحد, 18جويلية 2010